وثائق سرية تكشف خطط إسرائيل للسيطرة على المساعدات في غزة بمساعدة أمريكية
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أعدته كيت براون وكلير بارك وكارين دي يونغ، ورد فيه أن إعادة النظر في توزيع المساعدات لغزة أثارت عدداً من الأسئلة حول أخلاقية وعملية النظام المقترح.
وبحسب وثائق اطلعت عليها الصحيفة، فقد أعدت مجموعة من مسؤولي الاستخبارات والدفاع الأمريكيين السابقين ومديري الشركات، بالتشاور الوثيق مع إسرائيل، مقترحاً لتقديم مساعدات إنسانية إلى غزة يستجيب لمزاعم الحكومة الإسرائيلية بأن “حماس” تقوم بتحويل المساعدات.
وفي وثائق داخلية لم يُكشف عنها سابقاً، عرضت المجموعة نموذجاً جديداً وطموحاً بشكل جذري: تصورت الخطة إنشاء منظمة تُسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” التي ستوظف مقاولين مسلحين من القطاع الخاص لتوفير الخدمات اللوجستية والأمن لعدد قليل من مراكز توزيع المساعدات التي سيتم بناؤها في جنوب غزة.
وبموجب هذا الترتيب، الذي سيحل محل شبكات توزيع المساعدات الحالية التي تنسقها الأمم المتحدة، سيتعين على المدنيين الفلسطينيين السفر إلى المراكز والخضوع لفحوصات الهوية للحصول على حصص من المنظمات غير الحكومية. وفي النهاية، وبناءً على الخطة، سيعيش الفلسطينيون في مجمعات محروسة يضم كلٌّ منها ما يصل إلى عشرات الآلاف من السكان “غير المقاتلين”، على حد توصيف الخطة لهم.
إلا أن الوثائق، في بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2024، كشفت أن المخططين توقعوا أن تواجه المؤسسة أسئلة عامة قد تلحق ضرراً بالغاً، حول أصولها الغامضة ومؤهلاتها وشرعيتها الأخلاقية.
وعلى ما يبدو، فقد تحققت النبوءة حول مشروعيتها. فقد رفضت وكالات إنسانية بارزة ومانحون محتملون الخطة، وشكك بعض كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي فيها، بل إن بعض الأشخاص الذين شاركوا في التخطيط المبكر للمؤسسة نأوا بأنفسهم عن المشروع، مشيرين إلى مخاوف أخلاقية من احتمال أن تُسهم في التهجير القسري للفلسطينيين أو إساءة استخدام البيانات البيومترية للفلسطينيين.
ومن المتوقع أن يُعلن عن عمليات “مؤسسة غزة الإنسانية” في الأسبوع المقبل. وسواء نجحت أم فشلت فإنها ستؤثر، على حد قول الصحيفة، على مصير مليوني فلسطيني محشورين في 140 ميلاً ويواجهون خطر المجاعة كما تقول الأمم المتحدة. ومنعت إسرائيل منذ آذار/مارس دخول المساعدات الإنسانية والدواء إلى القطاع.
وفي 4 أيار/مايو، وافقت الحكومة الأمنية على السماح بإعادة توزيع المساعدات بناءً على نموذج غزة الإنسانية. لكن الأخيرة وجدت صعوبة في الحصول على دعم من الجماعات الإنسانية البارزة التي قالت إنها لا تستطيع التعاون في النموذج لأنه يخرق مبادئ توزيع المساعدات الإنسانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة دونالد ترامب تبنت خطة الترويج لها وعقدت اجتماعاً مع المؤسسات الإنسانية على أمل التوصل لتسوية ترضي الجماعات وإسرائيل، لكن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود.
وفي مقابلات مع مديري غزة الإنسانية ومستشارين ومسؤولين إسرائيليين وأجانب ومراجعات لمئات الوثائق الداخلية، وجدت الصحيفة أن المخططين واجهوا نفس المشاكل التي توقعوها.
ففي وثيقة من 198 صفحة تعود إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أي بعد ستة أشهر من مصادقة إسرائيل والولايات المتحدة على الخطة، اعترف المخططون بأن مؤسسة غزة الإنسانية: “هي كيان جديد كلياً، ليس له مشاريع أو خبرة سابقة يُعتمد عليها”، وسيحتاج صندوق الأمم المتحدة الإنساني إلى استقطاب مجموعات إغاثة دولية ومسؤولين تنفيذيين ذوي سمعة طيبة “يتمتعون بمصداقية خاصة في عالم العمل الإنساني”.
لكن لم توافق أي من وكالات الأمم المتحدة الرئيسية أو مجموعات الإغاثة المدرجة في الخطط تقريباً على التعاون.
وكشف التحقيق أن مؤسسة غزة الإنسانية تعاني، رغم الإعلان الرسمي عنها في بيان صحفي في 14 أيار/مايو، من تشوش وشكوك داخلية. ولم ينضم إلى المؤسسة بعد مسؤولون بارزون في المجال الإنساني، ممن اعتبرتهم المنظمة عنصراً أساسياً في قيادة جهودها، أو تنصلوا منها، كما تراجعت الدول العربية والأوروبية التي طُرحت كجهات ممولة، ما أثار تساؤلات حول كيفية حصول المؤسسة على التمويل وإمدادات المساعدات.
وقد توقعت وثائق التخطيط تشكك الرأي العام، وأعدت مسبقاً نقاطاً للرد عليها، في حال واجهت مؤسسة غزة الإنسانية مزاعم بأن مراكز توزيع الغذاء وحصر السكان في تجمعات تشبه “معسكرات اعتقال بيومترية”، أو تم مقارنتها بشركة “بلاك ووتر”، وهي شركة مرتزقة أمريكية سابقة متورطة في أعمال عنف ضد المدنيين في العراق.
وكشفت الصحيفة أن مستويات عليا في الجيش الإسرائيلي أثارت أسئلة حول الخطة.
وعلى الرغم من أن ضباط الجيش الإسرائيلي يتفقون بشكل عام على ضرورة معالجة تحويل المساعدات المزعوم، إلا أن هؤلاء الأشخاص يقولون إن بعضهم تساءل عما إذا كانت الطوابير الطويلة في مراكز غزة الإنسانية ستؤدي إلى تدافع، وكيف ستعمل قوات الأمن الخاصة جنباً إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي، وما إذا كانت الخطة تخدم هدفاً سياسياً أكبر يتمثل في احتلال غزة.
وفي رد على أسئلة الصحيفة، قالت “مؤسسة غزة الإنسانية” إنها أمّنت 100 مليون دولار من متبرع لم تُسمه. وردت أن التخطيط الأولي لا يعكس عمل وتفكير المؤسسة التي تمارس مهمتها كمستقلة.
وترى الصحيفة أن البحث عن بديل لنظام التوزيع الذي تشرف عليه الأمم المتحدة كان شاغلاً لإسرائيل منذ بداية الحرب. وقد زعمت أن “حماس” حصلت على الملايين من السيطرة على المساعدات وبيعها من جديد، مع أنها لم تقدم أي دليل علناً أو بشكل خاص للمنظمات الإنسانية بشأن هذا.
وقال أشخاص على علم بالتخطيط إن الذي أنتج “غزة الإنسانية” كان نابعاً من ضرورة تطوير نموذج للمساعدات الإنسانية تدعمه إسرائيل ويتوافر على تحفظات أخلاقية. وفي جميع مراحل التخطيط كان هناك عدم ارتياح من “عسكرة المساعدات الإنسانية”، ومساعدة إسرائيل في دفع السكان للجنوب من خلال بناء 4 مراكز توزيع.
وقال شخص: “عليك السؤال؛ هل مجرد المشاركة يُمكّن إسرائيل من دفع الناس جنوباً؟”.
وأضاف أن العديد من المنظمات الإنسانية ترغب في دعم جهود إطعام المدنيين، لكنها تشعر أن نموذج “غزة الإنسانية” يخالف مبادئها.
وتابع: “بالطبع، كان من الصعب إقناع العاملين في المجال الإنساني بالموافقة على خدمات أمنية خاصة مزودة بأسلحة”.
لكن المؤسسة بدأت من خلال المقاولين الأمنيين ببناء المراكز ووصل المرتزقة إلى إسرائيل.
وقالت عدة منظمات غير حكومية إنه تم طرح مسألة “استعادة” الولايات المتحدة للمساعدات الإنسانية الغذائية وغيرها من المواد، التي اشترتها سابقاً بتمويل من الحكومة الأمريكية لقطاع غزة، ولم تُوزع هناك بعد بسبب الحصار الإسرائيلي، ويمكن لـ”مؤسسة غزة الإنسانية” توزيع هذه المساعدات المستردة، بالإضافة إلى السلع التي سبق أن وفرتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مباشرة، ولم تُوزع بعد.
وتحدثت الصحيفة عن اجتماعات مسؤولين في مقر قيادة الجيش في كيريا لبحث كيفية التعامل مع سكان غزة وإطعامهم، مع أن الحكومة الإسرائيلية أصرت على منع المساعدات حتى تسحق “حماس”. لكن إدارة بايدن ضغطت باتجاه توفير المساعدات.
وفي نهاية 2023، بدأت سلطة تنسيق عمليات الحكومة الإسرائيلية بتطوير فكرة “الفقاعات الإنسانية” التي تحصر السكان في محاور آمنة وتمنح الجيش فرصة قتال “حماس”.
ورغم أن المناقشات الأولية كانت إسرائيلية، إلا أن مشاركين في قطاع الأعمال ساهما فيها وهما ليران تانكمان، جندي الاحتياط في وحدة الإشارات الاستخباراتية 8200، ومايكل أيزنبرغ المستثمر الإسرائيليالأمريكي.
وفي منتصف 2024، أطلع مسؤولون إسرائيليون مجموعة من المستشارين الأمنيين من القطاع الخاص، بقيادة فيل رايلي، وهو ضابط شبه عسكري متقاعد من وكالة سي آي إيه ورئيس سابق لمحطة الوكالة في أفغانستان.
وقال خمسة من الإسرائيليين والأمريكيين إن مجموعة رايلي تولت التخطيط، وقررت أن شركة جديدة بقيادة رايلي، تُسمى “سيف ريتش سوليوشنز”، ستكون المقاول الفرعي المستقبلي الذي سيوفر الأمن والخدمات اللوجستية للمراكز.
وكثيراً ما كان تانكمان، المقيم في تل أبيب، وسيطاً بين المديرين التنفيذيين الأمريكيين والمسؤولين الإسرائيليين.
وبحلول تشرين الثاني/نوفمبر 2024، كان شكل “غزة الإنسانية” قد تبلور.
وفي ملخص تنفيذي اطلعت عليه صحيفة “واشنطن بوست” أعده مركز تاكليث، لم يحتوِ على المواد الإنسانية التي يجب توزيعها من قبل المنظمات غير الحكومية التي ستشارك في الخطة. لكن الخطة ركزت على عدد ضباط الأمن والأسلحة والمركبات المدرعة اللازمة، وتصميم أنظمة الاتصالات والمخططات الأساسية لأربعة مراكز توزيع يمكن للمدنيين من خلالها استلام المساعدات.
وتضمنت الخطة بناء مركز عمليات عن بُعد لمراقبة الأنشطة في غزة على مدار الساعة باستخدام الكاميرات والطائرات المسيرة، وفي مرحلتها النهائية، تطوير مناطق سكنية محروسة، تُسمى “مناطق انتقالية إنسانية”، حيث سيعيش سكان غزة.
وكتب المخططون أنه من المهم طمأنة سكان غزة بأنهم سيعودون إلى ديارهم في نهاية المطاف بمجرد أن يصبح الوضع آمناً، وأعدوا قوائم بأسماء مؤثرين على إنستغرام وإكس من العالم العربي، والذين ينبغي على “غزة الإنسانية” استقطابهم كجزء من حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لحشد الدعم الشعبي للمشروع.
ولكسب الدعم الدبلوماسي، اقترحت الخطة أن تسعى “مؤسسة غزة الإنسانية” إلى استمالة دول غربية مثل ألمانيا، و”إقناع فرنسا” التي كانت ناقدة نسبياً لإسرائيل “بعدم التدخل السياسي في غزة وعمليات غزة الإنسانية خلال العام المقبل”.
ورغب المخططون في التقليل من علاقتهم بالحكومة الإسرائيلية. ورغم تمتعهم بـ”شراكة قوية” مع مسؤولين إسرائيليين وحصولهم على معلومات من الجيش والمخابرات الإسرائيلية، ذكرت الوثيقة أنه ينبغي على مؤسسة غزة الإنسانية تجنّب الظهور بمظهر “الوكيل” للحكومة الإسرائيلية، بل الاستعداد للإجابة على أسئلة حول كيفية “حصول منظمة غير حكومية غير معروفة على موافقات فريدة من حكومة إسرائيل”.
وأضافت الوثيقة أن أي تصور للسيطرة الإسرائيلية قد “يمنع” التعاون.
ونظراً لمعارضة المنظمات الإنسانية للخطة، اقترح بعض المسؤولين الإسرائيليين سراً قيادة الولايات المتحدة للجهود.