قدّم نيافة الأنبا كيرلس، الأسقف العام بإيبارشية لوس أنجلوس، ورقة بحثية باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم، في المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي، المنعقد في ضيافة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمركز لوجوس بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون.

الكنيسة والتمسك بالقداسة

وحملت الورقة التي قدّمها نيافته عنوان “النهج النيقاوي لوحدة الكنيسة والتمسك بالقداسة والجامعة الرسولية”، حيث كشف عن أن الوحدة الخالدة التي نتجت عن مجمع نيقية لم تتحقق فقط بقانون الإيمان، وإنما لأنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسمات الكنيسة الجوهرية، بمعنى أن وحدانية الكنيسة تقوم على: قداستها وجامعيتها ورسوليتها.

وعن القداسة قال نيافته: “في مجمع نيقية، فُهمت القداسة من منظور وجودي وخلاصي في آنٍ واحد، فالكنيسة مقدّسة لأنها جسد المسيح، وهي مسكن النعمة الإلهية، حيث يتقدّس الإنسان ويتجلّى بالمجد.”

وأضاف: “القداسة ليست إنجازًا أخلاقيًا بل عطية إلهية، متأصّلة في طاعة الكتاب المقدس والصلاة، وتتحقق بالاشتراك في الأسرار المقدسة.”

وشدّد على أن القداسة ميّزت بين الإيمان الأصيل القويم وبين الهرطقة، مؤكدًا أن تعاليم آريوس لم تكن باطلة أو خاطئة فحسب، بل كانت أيضًا غير مقدّسة، لأنها انبثقت من فكرٍ ذاتيّ متعجرف، لا من روح الحق.
وأشار إلى أن مجمع نيقية كان مقدسًا لأنه كان موجهًا بإرشاد الروح القدس، ولم يكن الآباء يتحدثون من أنفسهم، بل مما تسلموه من التقليد الرسولي.

وعن سمة ولقب “الجامعة” الذي تُوصف به الكنيسة، قال نيافة الأنبا كيرلس: “الجامعة، أي كمال الإيمان وحياة الأسرار، ليست مجرد الامتداد الجغرافي.”

ولفت إلى أنه قبل مجمع نيقية، خاطب القديس ألكسندروس بطريرك الإسكندرية شركاءه المحبوبين والمكرّمين في خدمة الكنيسة الجامعة، مؤكدًا أن العقيدة الرسولية تقوم على الكنيسة الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية التي لا تبيد أبدًا.

وشدّد نيافته على أن “الجامعة” تحفظ وتجمع ما يفرّقه العالم، وتسمح للإيمان أن يكون محليًا وعالميًا، قديمًا وحديثًا في آنٍ واحد.

وعن الرسولية قال نيافة الأنبا كيرلس: “إن كانت القداسة تمنح الكنيسة طابعها الإلهي، والجامعة تُظهر كمالها، فإن الرسولية تُثبّت جذورها في التاريخ والإيمان والاستمرارية، بينما القداسة والجامعة تصفان الحياة الداخلية للكنيسة واتساعها، تُعرِّف الرسولية نسبها الروحي باعتمادها على الرسل التاريخيين الأطهار، والاستمرارية الحية لإيمانهم.”

ونوّه إلى أنه رغم أنّ لفظ “رسولية” أُضيف رسميًا إلى قانون الإيمان في مجمع القسطنطينية سنة 381م، إلا أنّ المفهوم ذاته كان أساسًا في كتابات القديسين إيريناوس، وترتليانوس، وأكليمندس الإسكندري، والعلامة أوريجانوس.
كما أكّد القديس أثناسيوس الرسولي أن لا هو ولا آباء نيقية ابتدعوا عقيدة، بل حفظوا الإيمان الرسولي المُسلَّم من خلال الكتاب المقدس والتقليد.

وقال إن القديس أثناسيوس الرسولي في مؤلفه “في قرارات المجمع النيقاوي” كتب أن الآباء لم يكتبوا عن الإيمان قائلين: “أنه بدا جيدًا”،
بل قالوا: “هكذا تؤمن الكنيسة الجامعة”،
ليُظهروا أن ما نادوا به لم يكن جديدًا بل رسوليًا، وما دوّنوه لم يكن اكتشافًا من عندهم، بل هو كما قد تعلّموه من الرسل، وسُلِّم من أبٍ إلى أبٍ.

وأشار أيضًا إلى ما ذكره القديس أثناسيوس في رسالته إلى القديس سرابيون: “الرب أعطى، والرسل بشّروا، والآباء حفظوا. فعلى هذا التقليد تأسست الكنيسة، ومن يتخلى عنه لا يكون مسيحيًا ولا يستحق الاسم.”

ولهذا السبب — يختتم نيافة الأنبا كيرلس — تدعو الكنيسة القبطية الأرثوذكسية القديس أثناسيوس بـ”الرسولي”، لأنه جسّد الأمانة للتقليد غير المنقطع.

شاركها.