موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

يا أهلاً بوقف الحرب.. سما الإخبارية

0 1

نقترب من إبرام صفقة الأسرى والرهائن.. كل المعلومات والتقديرات تتحدث عن فرج قريب، عن وقف حصد الأرواح وتدمير إنسانية المواطنين ومكانهم وطعامهم في القطاع المنكوب. توقف الحرب الأكثر وحشية وإجراماً هو بكل المقاييس إنجاز كبير.  

بعد أن فاضت القوة واستنفدت أغراضها حتى في الخيال المريض. فلم يبقَ شبر في قطاع غزة لم يدمر أو يمس بالقتل الجسدي والنفسي والمعنوي تحت عنوان «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها»، ولم تبقَ عهدة أو اتفاقية أو قانون أو قرارات أو أخلاقيات أو سطر واحد في  منظومات القيم المستخلصة من الحروب العالمية والإقليمية إلا واختبرت يومياً وسقطت في الاختبار على مدار 15 شهراً من حرب الإبادة.
لم يكن في جعبة نتنياهو وجنرالات حربه غير أوامر الإبادة والتدمير والتهديد والوعيد والانتقام ، فلأول مرة في تاريخ المستعمرين يتم دمج المواطنين بالمقاومين في الخطاب والممارسة الميدانية دون تمييز.
وخلت جعبة نتنياهو من السياسة والحلول ما بعد الحرب، كانت خالية قبل الطوفان وبقيت خاوية بعده، وقد توحدت الأحزاب الإسرائيلية يميناً ويساراً ووسطاً على هدف استبعاد السياسة والحلول من أجنداتها وكانت تعزف نشيداً واحداً: «على أنقاض الشعب الفلسطيني نحيا».
وشيئاً فشيئاً تراجع صوت إدارة ترامب وتراجعت الأصوات الأوروبية التي كانت ترى في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية المخرج الحقيقي للصراع، وأخيراً تراجع الصوت العربي الذي كان لافتاً في تقديم الحل السياسي على الحل العسكري. وللأسف فاز نتنياهو في صناعة كل التراجعات.     
لماذا ستتوقف الحرب في الأيام القادمة، ولم تتوقف قبل ذلك؟ لو توقفت الحرب قبل سنة أو نصف سنة أو شهرين أو شهر أو لو توقفت اليوم لكان الموت والعذاب والألم والدمار والجوع أقل نسبة للزمن الأقل.
هل حقق المعتدون إنجازات أكثر بإطالة حربهم غير كثرة الموت والدمار والكوارث والكراهية، وهل حقق المقاومون إنجازات أكثر؟ سيقولون: حماس لم تستسلم ولم تسلم الرهائن والأسرى الإسرائيليين دون صفقة تبادل مع أسرى فلسطينيين، ولم تتراجع عن حكم قطاع غزة ولم تنزع سلاحها وبقيت تهدد أمن إسرائيل، وأعادت بناء جهاز جديد للحكم، وجندت موجة جديدة من الشبان المقاومين، وتُلحق بالمحتلين خسائر متزايدة – 10 جنود في أسبوع ويمكن إضافة أن حماس جزء من نسيج المجتمع وتملك القدرة في وضعها الراهن على منع أي سيطرة أخرى على المجتمع الغزي الذي يتبنى الفكر والثقافة الدينية التي نشرتها حماس،  يقول أمير تيبون في مقال بعنوان (غزة أصبحت حرباً أبدية بالنسبة لإسرائيل..) في صحيفة هآرتس: سكان غزة معظمهم من الشباب ولا توجد أنظمة اقتصادية فعالة باستثناء تلك التي تسيطر عليها حماس، ويضيف: هناك مصدران لن ينضبا أبداً، الشباب الذي يسعى للانتقام، والسلاح».
وتستطيع حماس الاستمرار في مقاومة احتلال عسكري داخل كثافة سكانية عالية في مكان شديد الصغر، ومما لا شك فيه أن الضغوط المتراكمة تؤدي إلى انفجارات وأشكال لا حصر لها من المقاومة.
غير انه لا يمكن النظر إلى قدرة حماس على مواصلة المقاومة وبقاء الحرب على حالها بمعزل عن حالة المجتمع وما تعرض له من إبادة وتدمير لبنيته التحتية وبخاصة المنازل والجهاز الصحي والجهاز التعليمي والعمل المنتج الزراعي والصناعي وصيد الأسماك، وتحكم إسرائيل في الماء والكهرباء والبترول والحركة وعموم الأشغال والمصالح المرتبطة بها.
إن تدمير وتفكيك المجتمع وتعطيل حياته وعلاقاته واعتماده على المساعدات الخارجية التي تتحكم بها دولة الاحتلال، يفقد المقاومة مضمونها، ويجعلها أمام تناقض مع مجتمعها غير قابل للحل.
لا تستقيم المقاومة كخيار مفتوح مع تعطيل المجتمع وتهديد بقائه. ولا يكون الحل بتجنيد شبان مستعدين للانتقام من قتلة ذويهم، ولا بقدرة تنظيم حماس على فرض خياره وقراراته على مجتمع منكسر داخلياً بسبب الشروط المستحيلة.
ما كان الدخول في مثل هذا النوع من الحروب صحيحاً ولا اضطرارياً، وما كان القبول بالسماح لآلة حرب جهنمية الاستمرار في استنزاف وتقويض المجتمع في كل عناصر حياته أمراً له ما يبرره.
المقاومة ليست هدفاً والتنظيم ليس غاية، الحرية هي الهدف وتقرير مصير الشعب غاية.
ثم لا يمكن فصل أي حرب عن موازين القوى. لهذا فإن حركات التحرر تختار الأشكال التي تلحق الخسائر بمستعمرها وتتفادى ما أمكن خساراتها أو تقلل منها وتكون معنية بتفادي الدمار الهائل والإبادة المنهجية لمجتمعها حتى لو كان ذلك بالتراجع والتنازل، فالشعب وحريته وكرامته يستحق دائماً التضحية وطرق كل الأبواب.    
تملك المقاومة ورقة الرهائن والأسرى، وهي ورقة حساسة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، مقابل ذلك تملك دولة الاحتلال عشرات الأوراق، وقد تقبل الأخيرة شروط الإفراج، لكنها تعلن أنها ستواصل الحرب، وتتبنى إدارة بايدن حق إسرائيل في الرد على أي انتهاك للاتفاق، كما تفعل إسرائيل الآن في جنوب لبنان حيث تواصل عملياتها من طرف واحد بذريعة خروقات  حزب الله للاتفاق.
لا تزال حكومة نتنياهو ترفض الالتزام بإنهاء الحرب بعد المرحلة الثانية من الاتفاق، وهناك محاولة لتقديم التزام أميركي بالعمل مع إسرائيل من أجل إنهاء الحرب، أي وعداً أميركياً دون التزام إسرائيلي كما جاء في صحيفة هآرتس.
كما تملك إدارة ترامب ودولة الاحتلال ومعها قوى إقليمية وازنة مالياً وسياسياً ورقة إعادة الإعمار وبخاصة إعمار المستشفيات والمدارس.
إن عدم إعادة الإعمار في سورية والعراق جعل الأزمة السياسية مفتوحة على كل صنوف الفشل وقد ساهمت في انهيار النظام السوري.
وعدم الإعمار في غزة أو تعثره في ظل توقف العملية التعليمية يفتح المجال أمام الهجرة وبخاصة أن الهجرة عنصر أساسي في برنامج معسكر نتنياهو والكهانية الجديدة، يحول دون إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي ودون استعادة المؤسسات المجتمعية والحكومية لأدوارها.
المعايير التي يمكن اعتمادها أثناء المحن تختلف عن المعايير في الظروف الطبيعية، تنازل حماس للمجتمع وكفاءاته وكل عناصره الحية القادرة على العمل الخلاق من داخل الأزمة، والتزام حماس بالشرعية الفلسطينية هو صمام أمان حمايتها من الشطب والعزل.
فكما شكلت الشرعية – الدولة اللبنانية ملاذاً لحزب الله، من المفترض أن تشكل المنظمة والسلطة ملاذاً لحركة حماس التي من المفترض أن تكون جزءاً من الشرعية الفلسطينية، وليس ملاذاً مؤقتاً واضطرارياً.
وفي حال كانت حماس جادة في انتقالها إلى أرض الشرعية، فإن عملية إعادة البناء في غزة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، ستكون متيسرة.
وبهذا تكون حماس قد قطعت الطريق على هدف نتنياهو الذي عمل لأكثر من عقدين على «إعداد حماس كجسم موازٍ يشبه الدولة من أجل الإضرار بالوضع الحصري للسلطة ومنظمة التحرير باعتبارهما الهيئتين التمثيليتين للفلسطينيين. وكان مطلوباً من حماس أن تحافظ على الفصل المطلق بين الضفة وغزة مقابل حصولها على امتياز إسرائيلي بحكم غزة» كما يقول الكاتب الإسرائيلي تسفي بارئيل في هآرتس.
قديماً كان النشيد العربي «يا أهلا بالمعارك» هو سيد المرحلة، والآن فإن شعار «يا أهلاً بوقف المعارك» هو سيد اللحظة في لبنان وسورية والعراق وإيران وأخيراً في غزة.

اضف تعليق