كتب-نهى خورشيد:

من نظام يوغوسلافيا التربوي الصارم، خرج مدرب الزمالك الأسبق ميلوتين سريدوفيتش “ميتشو”، ليكتب لنفسه تاريخاً في القارة السمراء داخل عالم الساحرة المستديرة.

ورغم الظروف والصعوبات التي مر بها، تخلّى عن كل ما قد يعيقه عن تحقيق حلمه، مؤكداً أنه سخّر نفسه ليكون خادماً لمهنة التدريب، ومتعهّداً بأنه سيظل متعطشاً لكتابة إنجازات وتاريخ جديد في مشواره.

أجري “مصراوي” حواراً صحفياً مع “ميتشو”، ليحكي عن بدايته في كرة القدم، وتجربته مع الزمالك وأسباب رحيله عن الفارس الأبيض، بجانب قصته مع مرض السرطان.

نص الحوار:

كيف بدأت رحلتك مع كرة القدم؟ وكيف كانت طفولتك؟

ولدت في يوغوسلافيا السابقة، وتحديداً في جمهورية صربيا، لكنني نشأت في جمهورية سلوفينيا.

في ذلك الوقت، كانت هناك سياسة قوية للتربية البدنية في يوغوسلافيا، إذ كان من الإلزامي على الجميع خوض تجربة 16 رياضة وطنية مختلفة لتحديد الرياضة الأنسب لمواهبهم.

ولهذا السبب لم يكن غريبًا أن تُلقب يوغوسلافيا بـ”البرازيل الأوروبية”، إذ اختار الأسطورة بيليه أن يخوض مباراته الوداعية أمام منتخب يوغوسلافيا.

كانت الأسس مبنية على الجمباز لتطوير المرونة والتنسيق، وألعاب القوى باعتبارها “أم الألعاب”، قبل الانتقال إلى الألعاب الجماعية مثل كرة القدم وكرة السلة والطائرة واليد وكرة الماء وغيرها.

وسط هذه الثقافة الرياضية القوية، كنت جزءًا من منظومة لا تزال حتى اليوم تُنتج شخصيات رياضية عالمية، وكان التدريب فيها متمركزاً حول الإنسان بهدف استخراج أفضل نسخة ممكنة من الرياضي، أياً كانت الرياضة التي يمارسها.

يرى العالم نوفاك دجوكوفيتش في التنس ونيكولا يوكيتش في كرة السلة، لكنهم مجرد نماذج من هذه المنظومة عالية الجودة في إنتاج الرياضيين والمدربين.

أما أنا، فقد اخترت طريق كرة القدم، وأعتبر نفسي خادماً لهذه اللعبة.

كيف كانت ردة فعل عائلتك تجاه شغفك بكرة القدم؟ ومن كان الداعم الأكبر لك؟

في بلدي، هناك تعاون كبير بين الأندية والمدربين من جهة، وأولياء الأمور من جهة أخرى، إذ لا يُقبل اللاعب في الفريق ما لم يكن متفوقًا دراسيًا، فيما يرى الأهل أن التعليم هو الأساس، وهو شرط مبدئي لممارسة الرياضة.

لذلك، كان هناك دائماً ضغط لتحقيق نتائج جيدة في المدرسة حتى لا يُحرم اللاعب من فرصة التدريب.

عائلتي كانت داعمة لي دوماً، دون طموحات زائدة أو تدخل في مسيرتي، بل تركوا لموهبتي وجهدي أن يحددا إن كنت سألعب أم لا.

صف لنا يومك المعتاد؟ وما هي هواياتك والرياضات التي تستمتع بها؟

أعيش حياة مليئة بالسهر والعمل الشاق، أنام لساعات قليلة وأستيقظ باكرًا كل صباح، أبدأ يومي بأفكار وتحفيزات تلهمني طوال اليوم.

الناس العاديون يرون فقط 90 دقيقة من المباراة، بينما نحن في “كواليس” كرة القدم نعيش تفاصيل دقيقة وهائلة خلف الستار، لا تتيح لنا رفاهية الهوايات، لأن تركيزنا الكامل يكون على التحضير غير المرئي للمباراة: تجهيز اللاعبين نظرياً، تقويتهم ذهنياً، تحسين لياقتهم البدنية، ورفع كفاءتهم الفنية والتكتيكية.

حدثنا عن حياتك العاطفية في الوقت الحالي؟

كمدرب محترف، عملي مكثف للغاية، والعلاقات العاطفية تتطلب وقتاً واهتماماً لا أستطيع تقديمه في هذه المرحلة، رغم رغبتي في الارتباط، إلا أنني لست في علاقة حالياً، وهذا أمر أقبله دون ندم.

من هو أقرب أصدقائك في الكرة المصرية؟ وماذا عن خارج المجال الرياضي؟

لدي عدد كبير جداً من الأصدقاء في مصر، ولذلك أخشى أن أذكر أسماء وأنسى آخرين يستحقون التقدير والاحترام.

أنا فخور حقاً وممتن للغاية لوجود العديد من الأصدقاء الحقيقيين بين المصريين، سواء داخل الوسط الكروي أو خارجه.

كيف تُقيّم مسيرتك التدريبية؟ وأي نادٍ استمتعت بالعمل فيه أكثر؟

أنا فخور جداً بأنني دربت أكبر أندية القارة؛نادي فيلا في أوغندا، سانت جورج في إثيوبيا، يانغ أفريكانز في تنزانيا، الهلال والمريخ في السودان، أورلاندو بايرتس في جنوب إفريقيا، والزمالك في مصر، إلى جانب تدريب منتخبات رواندا، أوغندا، زامبيا، وليبيا.

حصدت خلال مسيرتي 19 لقباً كبيراً، وتأهلت 3 مرات لنصف نهائي دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية، إضافة إلى نجاحات مع المنتخبات في التصفيات الكبرى.

كل فريق دربته كان تجربة رائعة تعلمت منها ثقافة مختلفة وأسلوب حياة جديد، وقدمت أفضل ما لدي في خدمة كرة القدم، وأسعدت أكثر من 200 مليون مشجع.

من الصعب أن أحدد أكثر مكان استمتعت فيه، لكنني أحتفظ بذكريات وعلاقات رائعة في كل محطة مررت بها.

كيف تصف تجربتك مع نادي الزمالك؟ ومن هم اللاعبون المفضلون لديك هناك؟

كمدرب محترف، اللاعب المفضل لدي دائمًا هو الفريق الذي أدربه، عندما تعتبر الفريق بأكمله نجمك الأول، فإنك تمنح كل لاعب فرصة التألق والعطاء.

تجربتي مع الزمالك كانت ناجحة للغاية؛ فزنا بكأس مصر دون أن نستقبل أي هدف، وأعدنا الفريق إلى دور المجموعات في دوري الأبطال بعد غياب طويل، وهو الدور الذي وصل فيه الفريق لاحقًا إلى النهائي وفاز بالسوبر.

كما قمنا بتصعيد لاعبين شباب وإخراج أفضل ما لدى اللاعبين، رغم الظروف الصعبة التي مر بها النادي في ذلك العام.

ما السبب الحقيقي وراء رحيلك عن الزمالك؟ وهل كنت تتمنى البقاء؟

بالطبع كنت أود البقاء، وما زلت أعتز بتأييد جميع اللاعبين لي، من شيكابالا وحتى أصغر لاعب في الفريق.

لكن يبدو أن هذا التأييد الجماعي لم يُرضِ البعض، فغادرت النادي بشكل مفاجئ.

رغم ذلك، غادرت فخوراً ومحاطاً بتقدير أساطير النادي، وهو شعور لا يُقدّر بثمن. بالنسبة لي، الزمالك لم يكن مجرد نادٍ، بل مؤسسة يملكها ملايين المشجعين.

قد يأتي ويذهب العديد من المدربين، لكنني سأظل أحتفظ بالزمالك في قلبي وروحي وعقلي إلى الأبد كأحد مشجعيه.

ما تقيّمك لشيكابالا كلاعب؟ وما رسالتك له بمناسبة اعتزاله؟

لا يمكنك أن تعمل في الزمالك دون أن تفهم وتحترم ثقافته وتقاليده ونمط حياته. شيكابالا هو أسطورة حية ونصب تذكاري لهذا النادي، بدأ طفلاً صغيرًا وأصبح قائدًا حقيقيًا، وزمالكاويًا أصيلاً.

في كرة القدم، المدرب يرى خمس خيارات، بينما شيكابالا يبتكر الخيار السادس.

هو إنسان رائع، ولاعب محترف من الطراز الرفيع، له مكانة خاصة في قلبي كمدرب، وقلعة من الاحترام في روحي، وقاعة شهرة في ذهني الرياضي.

حتى آخر ركلة جزاء سددها مؤخراً لحصد كأس مصر، حافظ على شغفه كأنه طفل في العاشرة من عمره.

رسالتي له..يجب أن يظل داخل النادي بروحه القتالية ليبث الطاقة الإيجابية في الزمالك حتى نهاية عمره.

ما هو الفريق الذي كنت تحلم بتدريبه؟ ولماذا؟

بعد تدريب كل تلك الفرق العظيمة، أشعر أنني حققت أحلامي وأسعدت ملايين المشجعين، لكنني ما زلت جائعاً للمزيد.

أنا متحمس جداً لتجربتي القادمة مع منتخب وطني جديد في إفريقيا، ومنه سيخرج أفضل لاعب في القارة خلال سنوات قليلة، تذكروا كلامي…

حدثنا عن معركتك مع السرطان، وهل أثرت على حياتك المهنية؟

هذا موضوع لا يحب الناس الحديث عنه لأنه يُعتبر “تابو”، لكن دعوني أكسر الصمت، مثل ملايين الناس، عانيت من السرطان مرتين.

بعد رحيلي عن الزمالك، توجهت إلى زامبيا لتدريب المنتخب، واندلعت جائحة كورونا، فاستغليت تلك الفترة لإعادة تنظيم حياتي بالكامل. من خلال بعض العلاجات والانضباط الحياتي، ربحت معركتي المزدوجة ضد المرض.

أنا الآن بصحة ممتازة، وأشعر بقوة لم أشعر بها من قبل، لم يكن الأمر سهلاً، لكن بالإرادة القوية تمكنت من تجاوز أصعب مراحل حياتي.

ما الدروس التي تعلمتها من تجربة مرض السرطان؟

تعلمت أن معركة الصحة هي أهم مباراة في حياتك، وأن العالم قد يبدو أنانياً، لكن إذا كنت قويًا ذهنياً وتملك رغبة حقيقية في العيش والانتصار، فكل شيء ممكن.

المستحيل لا شيء.

كل شيء ممكن.

لا تستسلم، لا تتراجع.

بدل أن تحدث لك الأشياء… اجعل أنت الأشياء تحدث.

عِش وفقًا للمبادئ التالية:

غيّر ما يمكن تغييره.

تقبّل ما لا يمكن تغييره.

ابتعد عن ما لا يُحتمل.

فاجئ الآخرين بما لا يتوقعونه.

وانتظر حدوث ما لا يُفسّر.

شاركها.