كتب : محمود الهواري



12:16 م


30/10/2025


تتصاعد موجات التشويش والتلاعب بإشارات نظام تحديد المواقع العالمي “GPS” في مناطق واسعة من العالم، خصوصا في بحر البلطيق، ما يشكل تهديدا متزايدا لسلامة الطيران المدني ويثير قلقا دوليا متناميا، وفقا لتقارير صحفية.

وقالت الكاتبة إليزابيث براو في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن السويد سجلت خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري نحو 123 ألف حالة تشويش أو تضليل، أثرت على ربع الرحلات الجوية داخل مجالها الجوي.

وأضافت الكاتبة أن الظاهرة امتدت أيضا إلى فنلندا وبولندا ومضيق هرمز والبحر الأحمر والبحر الأسود، فضلا عن الحدود بين الهند وباكستان، ما يشير إلى اتساع نطاقها وخطورتها المتزايدة.

وأوضحت “براو” أن التحليق فوق السويد وفنلندا وبولندا ودول البلطيق لم يعد كما كان، مشيرة إلى أن نسبة الرحلات المتأثرة في بعض المناطق داخل السويد وصلت إلى نصف الرحلات الجوية.

ولا تقتصر آثار التشويش على الطائرات فقط، بل تمتد إلى السفن التي تعتمد على أنظمة الملاحة بالأقمار الصناعية لتحديد مواقعها عبر نظام التعريف الآلي (AIS)، حيث تسبب التداخل في انحراف بعض السفن عن مسارها.

وأكدت الكاتبة أن هذا النمط من التدخل لم يقتصر على البلطيق، بل ظهر أيضا في مضيق هرمز والبحر الأحمر والبحر الأسود والحدود بين الهند وباكستان وميانمار، ما يعكس توسع الظاهرة عالميًا.

ونقلت براو عن رافائيل مونشتاين، المؤسس المشارك لشركة SkAI Data Services المتخصصة في أمن الطيران، أن معظم حوادث التشويش تتزامن مع مناطق النزاعات، لكنها سجلت أيضا في أماكن بعيدة عنها مثل هونغ كونغ، مؤكدا أن “التشويش يمكن أن يحدث في أي مكان تقريبا”.

من جانبها، قالت تانيا هارتر، رئيسة رابطة الطيارين الأوروبيين، إنها لم تشهد من قبل “تداخلا بهذا الحجم”، مشيرة إلى أن نظام GPS جعل الملاحة الجوية أكثر دقة وكفاءة خلال العقود الماضية، لكن التلاعب الحالي يعيد المخاطر القديمة إلى الواجهة، خاصة مع ازدياد الكثافة الجوية وتقارب المسافات بين الطائرات.

وأوضح مايكل فيلوكس، أستاذ الطيران في جامعة زيورخ، أن كثرة التنبيهات الناتجة عن التشويش ترهق الطيارين خصوصا في الرحلات الطويلة أو أثناء الهبوط الليلي، مؤكدا أن هذا الضغط قد يؤدي إلى أخطاء في التعامل مع التنبيهات الحقيقية، بينما يمكن أن تستمر تأثيرات الخلل حتى بعد مغادرة المناطق المتضررة.

وتطرقت براو إلى الخطر الأكبر المتمثل في انتحال إشارات “GPS”، الذي يجعل الطائرة تعتقد أنها في موقع خاطئ، ما قد يؤدي إلى اختراق مجالات جوية لدول أخرى أو اقتراب خطير من طائرات أخرى.

واستشهدت الكاتبة بحادثة سبتمبر 2023 عندما كادت طائرة متجهة من أوروبا إلى دبي أن تدخل المجال الجوي الإيراني بعد تعرضها لتلاعب فوق بغداد.

أما في البحر، فذكرت بحادثة عام 2019 حين احتجز الحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط السويدية ستينا إمبيرو، زاعما دخولها المياه الإقليمية الإيرانية، بينما تشير التحليلات اللاحقة إلى احتمال وقوعها ضحية تلاعب بنظام الهوية الآلي (AIS).

ووفق بيانات شركة SkAI Data Services، رصد خلال العام الماضي أكثر من 310 ألف رحلة جوية تأثرت بتشويش نظام GPS، وهي زيادة حادة دفعت خبراء إلى التحذير من احتمال اضطرار شركات الطيران إلى تقليل عدد الرحلات الجوية للحفاظ على معايير السلامة، في حال استمرار فقدان الدقة التي يوفرها النظام.

وترى براو أن معظم أصابع الاتهام في منطقة البلطيق تتجه نحو روسيا، فيما تبقى هوية الجهة المسؤولة عن التشويش في مضيق هرمز ومناطق أخرى غير واضحة، رغم أن هذا النوع من العمليات يتطلب قدرات تقنية لا تمتلكها سوى الدول.

وتختم الكاتبة بالإشارة إلى أن استمرار هذا التهديد يجعل الطيران العالمي عرضة لمخاطر غير ضرورية، داعية المجتمع الدولي إلى التعاون لوضع قواعد صارمة ورادعة ضد من يعبث بالملاحة عبر الأقمار الصناعية، معتبرة أن حماية الطيارين والمسافرين والسفن قضية يمكن أن تتفق عليها حتى الدول الأكثر انقساما اليوم.

شاركها.