كتب : محمود عبد الرحمن



06:53 م


22/09/2025


في خطوة قد تفتح الباب أمام إنشاء “إنترنت كمومي” فعال، نجح علماء لأول مرة في إرسال بيانات كمومية عبر كابلات الألياف الضوئية نفسها التي يعتمد عليها الإنترنت التقليدي اليوم، باستخدام بروتوكولات الإنترنت (IP) ذاتها.

وكشفت الدراسة، التي نشرت أواخر أغسطس في مجلة Science، أن فريق البحث استخدم شريحة كمومية مصممة خصيصا أطلق عليها اسم ” Q-Chip” لدمج البيانات الكمومية مع الإشارات البصرية العادية وإرسالها معًا عبر البنية التحتية التجارية القائمة.

يقول البروفيسور ليانغ فنغ، أستاذ علوم المواد والهندسة الكهربائية بجامعة بنسلفانيا والمشرف على الدراسة، “شريحتنا الجديدة تمكننا من التحكم في الإشارات الكمومية والكلاسيكية بحيث تنتقل معا عبر نفس كابلات الألياف الضوئية باستخدام بروتوكولات الإنترنت القياسية”.

لماذا يصعب إرسال البيانات الكمومية عبر الإنترنت العادي؟

البيانات الكمومية تعتمد على “الكيوبِت” وحدة المعلومات الأساسية في الحوسبة الكمومية القادرة على الوجود في حالتي الصفر والواحد معا، بخلاف البِت التقليدي كما يمكن للكيوبِتات أن تتشابك (Entanglement)، ما يجعل حالة أحدها مرتبطة بالآخر مهما كانت المسافة بينهما.

هذه الخصائص تمنح الحوسبة الكمومية قدرات هائلة لكنها تجعل البيانات الكمومية شديدة الهشاشة إذ يؤدي أي قياس أو قراءة مباشرة لهذه البيانات إلى انهيار حالتها الكمومية، على عكس الإنترنت العادي حيث تقوم أجهزة التوجيه بقراءة البيانات أثناء مرورها بالشبكة.

كيف تعمل شريحة Q-Chip؟

الشريحة التي يُرمز اسمها إلى “الإنترنت الكمومي-الكلاسيكي الهجين عبر الفوتونات” ابتكرها الباحثون لحل هذه المعضلة.

تقوم الشريحة بإرفاق “رأس بيانات كلاسيكي” مع كل إشارة كمومية، يحتوي على معلومات التوجيه والتوقيت، تُشفَّر في نبضة ليزر عبر الألياف الضوئية.

هذه “الرؤوس” يمكن لأجهزة التوجيه قراءتها لتحديد وجهة الإشارة دون لمس الجزء الكمومي نفسه، ما يسمح بانتقال الإشارات الكمومية والكلاسيكية معًا في توقيت متزامن دون تدمير الحالة الكمومية.

هذه هي المرة الأولى التي يُرسل فيها الباحثون بيانات كمومية عبر بروتوكول الإنترنت القياسي على شبكة حقيقية، وليس في بيئة معملية معزولة أو بنية تحتية خاصة.

خطوة نحو إنترنت كمومي عملي

يقول فنغ: “استخدام بروتوكولات الإنترنت القياسية يعني أن شريحة Q-Chip تسمح بإدارة الاتصالات الكمومية بنفس الأدوات المخصصة لإدارة حركة الإنترنت العادية من حيث التوجيه والعناوين والتنسيق”.

هذا الإنجاز يلغي الحاجة إلى بناء شبكة منفصلة بالكامل للبيانات الكمومية، ما يخفض بشكل كبير تكلفة وأعباء نشر “الإنترنت الكمومي” وتوسيع نطاقه.

في التجربة، أنشأ الفريق اتصالا تجريبيا بين خادم ونقطة استقبال عبر كيلومتر واحد من ألياف ضوئية تجارية تابعة لشركة “فيرايزون”.

وبفضل التشابه في استجابة الإشارات الكلاسيكية والكمومية للضوضاء البيئية، استطاع الباحثون تصحيح التشويش باستخدام الإشارة الكلاسيكية دون الإضرار بالبيانات الكمومية، ما ضمن وصولها سليمة.

المستقبل القريب

رغم أن الاختبار كان محدود النطاق، يرى العلماء أنه يمثل خطوة أساسية نحو شبكة إنترنت كمومية كاملة قادرة على ربط الأجهزة الكمومية المختلفة.

وبما أن الشريحة مصنوعة من السيليكون وقابلة للإنتاج باستخدام التقنيات الحالية، فإنها قد تصنع بكميات كبيرة في المستقبل القريب.

يقول فنغ: “خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، ستركز المراحل المبكرة من الإنترنت الكمومي على الشبكات المحلية أو الشبكات على مستوى المدن”.

ويمكن أن تشمل التطبيقات الاتصالات الآمنة، وربط الحواسيب الكمومية، والاستشعار الكمومي الموزع مثل الملاحة فائقة الدقة أو التوقيت الدقيق.

شاركها.